مقالات متنوعة

متعبون في الحياة

يعيش البشر معظم حياتهم مع أحبائهم في أمان حتى يهاجمهم شبح الفراق، ذلك الذى يطغى على حياة الجميع، فلا يمكن أن تمر رحلة الحياة بنا بدون أن نفارق أو يفارقنا أحد. فالفراق  من طبائع الأشياء والعلاقات، ربما كانت الحروف وحدها لا تملك القدرة على وصف ما نشعر به بعد الفراق، وربما كانت الجُمل لاتحمل بين طياتها أسرار النفوس البشرية، فنحن نتعلق بأسرِنا من أباء وأمهات وأزواج وآبناء، كما نتعلق بأصدقائنا ومن يعزُّون علينا وما نلبث أن نفقدهم الواحد تلو الآخر، ولا سيما في زمان الكورونا،ذلك الوباء الذى لم يذر مدينة ولا قرية في كافة أنحاء المعمورة إلا وأصابها، وفرق بين الأحباب بلا رحمة، يالقسوة الوباء فلا يكتفي بالتباعد القسري بين البشر، وإنما يفرض عليهم فقدان أحبائهم إلى الأبد . فمن الصعب إرجاع الأيام الخوالي، وكأن الفيرس قد جاء إلينا جميعا برسالة مفادها إنه يجدر بنا ألا نتعلق بالبشر إلى الحد الذى يؤذينا إذا إفتقدناهم أو إذا فارقناهم لأي سبب. خاصة إذا كانوا لدينا أغلى من أرواحنا، فالتعلق بالله وحده هو غاية الأهداف في الحياة لأنه هو الواحد الأحد الذى لا يزول ولا يتركنا أبدا. 

بقينا وسنبقى في المنزل ربما لشهور قادمة لا أدري، ولم نعُد ننعم بتجمعنا معا سواء لتناول وجبة ساخنة في العشاء ونحن صحبة أو لمزاولة الرياضة  التى إعتدنا عليها، فصرنا في سباق مع الكيلوجرامات التى تضاف لأوزاننا ولا نستطيع ملاحقتها، فضلا عن الأمسيات الثقافية والفعاليات التى كانت تضفي على حياتنا لونا آخر من المتعة وإزالة الهموم. 

كنا نغسل همومنا مع من يماثلوننا من البشر. صرنا نتخفي من الفيرس خوفا، أو قُل فزعا لإلا يصيبنا من حيث لا ندري.  

والأصعب والأكثر تضحيةً هم أبناؤنا الأطباء ممن يقع على عاتقهم ليس فقط علاج المرضى والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل أيضا حماية أنفسهم من هذا الوباء القاتل، فالخطأ بالنسبة إليهم يساوى حياة. إذا فقدنا فردا فهو فرد أما إن فقدنا طبيبا فقد فقدنا ألف فرد كان بإمكانه علاجهم.  

الموقف صعب والحياة تغيرت بنا دون أن ندرى فصارت رتيبة كئيبة، تحمل معها في كا لحظة القلق والآلاف من المفاجآت، ونحن ليس بيدينا شىء. نسير نحو المجهول دون إشارة توقفنا وترشدنا إلى وجهتنا. 

فلننعم إذا باللحظات التى نعيشها فكفانا مشقة ولننعم بكل لحظة نرى فيها أولادنا وعائلاتنا أو نسمع عنهم أنهم بخير . نحن أصبحنا على إستعداد تام لتقبل كل ما تقغله بنا الأيام. 

فالفراق لو فكرنا قادم إن آجلا أو عاجلا ووقتها لن نجد متسع من الوقت لنخبر أحبائنا بأنهم كانوا النور الذى نرى به العالم من حولنا وكانوا الأمل الذى نحيا من أجله.  

ستمر الأيام وربما أصبحت ذكرى لا تعود إلينا بنفس تفاصيلها ولكن لانريد أن تصبح ذكرى أليمة توزع الشقاء علينا نريدها أملا في تخطى كل أزمة على شاكلتها تمر بنا ىأو بغيرنا. 

اظهر المزيد

د. زينب حلبي

مؤلفة وشاعرة مصرية معاصرة، بدأت الكتابة في الطفولة، حاصلة على بكالوريوس الطب البيطري جامعة الاسكندرية عام 1995. من أعمالي: رواية هدير الامواج، رواية صرخة ألم، كتاب رسائل من القلب وديوان فراق الروح

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق